من هو مهاتما غاندي؟ حياته وسيرته في سبيل الحُريّة
يقدّم هذا المقال معلومات شاملة عن المهاتما غاندي، بدءاً من حياته ونشأته، مروراً بدوره في حركة الاستقلال الهندية، وصولاً إلى فلسفته في اللاعنف والمقاومة السلمية
عندما يُذكر النضال السلمي تُستحضر سيرة المهاتما غاندي، ذلك الرجل الذي واجه أقوى إمبراطورية في عصره بلا سلاح سوى الإيمان واللاعنف كانت حياته سلسلة من المواقف التي جسّدت قوة الإرادة وقدرة الكلمة على تغيير مسار أمة بأكملها، فرحلته لم تكن مجرد مسيرة سياسيّة، بل تجربة إنسانية عميقة ألهمت شعوباً كثيرة تبحث عن الحرية والكرامة، من هنا تنبع أهمية التوقف عند حياته وسيرته، لفهم كيف حوّل مبادئه إلى واقع غيّر وجه التاريخ.
من هو مهاتما غاندي؟
مهاتما غاندي اسمه الكامل (موهانداس كرمشاند غاندي) رجل هنديّ الأصل مُحامي وسياسيّ بارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلال الهند كان رائدًا للساتياغراها وهي مُقاومة الإستبداد خلال العصيان المدنيّ الشامل التي تأسست بقوة عقب أهيمسا أو اللاعنف الكامل والتي أدّت إلى استقلال الهند وألهمت الكثير من حركات الحقوق المدنيّة والحريّة في جميع أنحاء العالم، عُرف بمُناصرة المنبوذين في دولته وكان من الأشخاص الذين بذلوا جُلَّ جُهدهم في سبيل حماية وطنهم بشكلٍ سلميّ ومُقاومة الإحتلال البريطانيّ، كان غاندي عنصريًا فقد كان يرى أن السود هم أدنى من الهنود والبيض كما أنَّه أيَّد التفرقة بين البيض والسود ورأى أن البيض والهنود هم جنس أسمى من الجنس الأسود فآمن بنظريّة العرق الآري واعتبر أن السود أُناس غير مُتحضرين تشبه حياتهم حياة الحيوانات ذات الذكاء المُنخفض.
نشأة مهاتما غاندي
وُلد مهاتما غاندي في 2 أكتوبر من عام 1869 في بلدة بوربندر الساحليّة في شبه جزيرة كاثياوار التي تقع بين مدينة السند ومدينة بومبي لعائلة غوجاراتيّة هندوسيّة لها باع طويل في العمل السياسي، والده كرمشاند أوتامشاند غاندي كان كاتبًا في إدارة الدولة قبل أن يكون رئيس وزراء إكارة بوربندر، اشتهرت أسرته بأنّها من الأسر الصالحة جدًا وذات الأخلاق الرفيعة، وكانت والدته على وجه الخصوص أحد الأسباب الرئيسيّة في نشوئه بهذا القدر من الأخلاق والعَظَمة حيث أنَّ كل من عرفها وعرف سيرتها وصفاتها يعي تمامًا بأنّه اكتسب منها الصفات الحميدة كلّها كما أنَّ جدّه أوتا غاندي كان رجلاً ذا أخلاق وسِمات رفيعة بالرغم من كثرة انشغالاته السياسيّة، أمضى طفولة طبيعيّة إلّا أنّه عندما بلغ الثالثة عشرة من عمره تزوَّج نظرًا لأنَّ العادات الهنديّة تنص على ذلك وكانت حصيلة زواجه أربعة أطفال إلّا أنَّ غاندي لم يكن راضيًا عن زواجه بسبب صغر سنّه، علمًا بأنّه كتب في سيرة حياته أنَّه قد أُجبر من قِبل أهله على هذا الزواج في هذا السنّ الصغيرة هو وأخوه وابن عمّه وفي اليوم ذاته.
حياته التعليميّة
توفّي والد مهاتما غاندي وهو في سنّ السابعة عشر فتولّاه أخوه الكبير ثم رشّحه لتولّي رئاسة أسرتهم والترقّي ليحتلَّ مركزًا في الوزارة ويسير عن نهج والده، هذا لأنّه لاحظ فيه الذكاء والقُدرة على العمل والإجتهاد، وكان أمامه إحدى الخيارين إمّا أن يتعلّم في جامعة الهند أو أن يتعلَّم في الخارج ليُصبح جاهزًا لتولّي هذا المنصب وكان لديه خياران للدراسة إمّا في جامعة بافنجار أو جامعة بومبي إلّا أنّها كانت تتطلّب نفقة كبيرة ممّا أدى إلى اختياره الجامعة الأولى وتحديدًا كليّة ساملداس فيها وما إن حلّت نهاية السنة الأولى حتى عاد إلى منزله، وقد نصحه صديقًا له بأن يُسافر إلى الأقطار الأجنبيّة لدراسة القانون إلّا أنّه كان يُحب الطب ولكنَّ أخاه ذكّره بأنَّ والدهما كان لا يُفضّل هذا التخصص ولا يُحب الجُثث أو تشريحها بالإضافة إلى أنَّ هذا التخصص لو درسه فلن يؤدي إلى تنصيبه لرئاسة الوزراء لهذا اختار تخصص القانون تكريمًا واحترامًا لوالده.
مسيرة حياة مهاتما غاندي
مارس مهاتما غاندي مهنة المُحاماة لسنتين في الهند إلّا أنَّ مُحاولاته فيها باءت بالفشل إذ كانت أولى تجاربه والحظ لم يُحالفه لدى مُحاولته تكرار هذه التجربة بالإضافة إلى أنَّ كيفيّة عمله في هذه المهنة لم تكن مُرضية له، فقد آثر على نفسه أن يُمارسها بصدق بحيث يبتعد كل البعد عن مُحاولة كسب القضايا بالحيل والجدير بالذكر أيضًا أن غاندي سافر بعد ذلك إلى مناطق جنوب أفريقيا لتقديم المُساعدة إلى مُحامين كِبار من الأجانب وليس بهدف مُمارسة مهنة المُحاماة ومن خلال هذه الرحلة عرف القضية التي أفنى حياته في سبيلها ووضع قدمه على بداية الطريق وانتهى به ذلك ترأُّسه للهند كاملةً ثم وضع دستور البلاد عام 1908 والذي أدّى إلى استقلال الهند، ويجب أن نُشير إلى أنَّ غاندي كان يُقيم حملات للمُقاومة السلميّة في الهند حيث تبعه بعض الهنود في هذه الحملات بسبب إيمانهم الشديد به وبمُعتقداته التي تدعو إلى نبذ العنف واجتنابه، كما أنَّ العُمّال الذين يسكنون في الجنوب ومنهم الصينيّون والإندونيسيّون والهنود والوثنيّون والزنوج لم يكونوا مؤمنين بمبادئ زُعمائهم وكانوا جميعهم يتبعون لغاندي وذلك لأنَّهم يعملون بموثوقيّته وإخلاصه.
وفاة مهاتما غاندي
أُغتيل المهاتما غاندي في 30 يناير عام 1948 في مبنى منزل بيرلا غاندي وهو منزل فخم وكبير في نيودلهي، على يد (ناتهورام غودسي) الذي كان من دُعاة القوميّة الهندوسيّة وعضوًا في حزب ماهاسابا السياسيّ الهندوسيّ وعضوًا سابقًا في منظمة راشتريا سوايامسيفاك سانغ القوميّة الهندوسيّة للمُتطوعين وصل غاندي إلى قمّة الدرجات المؤدية إلى الحديقة المُرتفعة خلف منزل بيرلا في وقت ما بعد الساعة الخامسة مساءً وهو المكان الذي كان يُعقد فيه اجتماعات صلاة للعديد من الأديان في كل مساء، إذ خرج غودسي من بين الحشد الذي يُحيط بمسار غاندي حين كان يسير نحو المنصة وأطلق ثلاث رصاصات إلى صدره وبطنه من مسافة قريبة فسقط غاندي على الأرض ونُقل بعدها إلى غرفته في منزل بيرلا ليخرج منها مُمثل مُعلنًا وفاته لاحقًا. أُلقي القبض على قاتل مهاتما غاندي (غودسي) على يد أفراد من الحشد ومن ثُمَّ سُلم إلى الشرطة وبدأ مُحاكمة غاندي في شهر مايو لعام 1948 في الحصن الأحمر التاريخي في دلهي بوجود المُتهم غودسي ومُعاونه نارايان أبتي وستّة مُتهمين آخرين وحُكم على كل من غودسي وأبتي بالإعدام شنقًا في سجن أمبالا في عام 1949.