أهمية الاستئذان وآدابه في الإسلام
يُقدم هذا المقال شرحًا لأهمية الاستئذان في الإسلام، ويبين آدابه ودوره في حفظ الخصوصية وتعزيز الاحترام بين الأفراد داخل المجتمع.
الإستئذان في الإسلام خُلُق رفيع يدلّ على حُسن التربية وسمو الأخلاق، وهو من القيم التي دعا إليها الدين الحنيف لصون خصوصيات الناس وحفظ كرامتهم، فقد جاء الاستئذان ليغرس في النفس معنى الاحترام المتبادل بين الأفراد، ويمنع التطفل أو التعدي على خصوصيات الآخرين، وقد أولى القرآن الكريم والسنة النبوية أهمية بالغة لهذا السلوك، فجعلوه بابًا من أبواب الأدب الاجتماعي الذي يشيع الطمأنينة والمودة داخل المجتمع ومن هنا فإن الالتزام بآداب الاستئذان ليس مجرد عادة اجتماعية، بل هو عبادة وسلوك قويم ينعكس أثره على الفرد والأسرة والمجتمع بأكمله.
مفهوم الإستئذان في الإسلام
الإستئذان هو أدب من الآداب الإجتماعيّة التي تحفظ خصوصيّة الإنسان فيما لا يرغب أن يطلع عليه أحد وذلك حفظًا للأعراض ورعايةً للحقوق والحرمات من الإنتهاك من الآخرين وتعني طلب إباحة التصرّف ممن له حق الإباحة فلا يدخل عليه أحد بيته إلا بإذنه ولا يتصرّف أحد في حق من حقوقه إلا بعد أن يأذن له فالإستئذان هو أدب يحفظ للفرد حقه في خصوصيّته فلا تكشف له عورة وينتهك له حرمة إلا بإذنه وبمعرفته.
حكم الإستئذان في القرآن
قال النووي: أجمع العلماء أن الإستئذان مشروع وتظاهرت به دلائل القرآن والسنة وإجماع الأمة، قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا} حيث إن (لا) هي لا ناهية ونهى عن ذلك لما فيه من التصرف في ملك الغير بغير إذنه فإن شاء أذن وإن شاء لم يأذن، فالآية تدل على تحريم دخول بيوت الغير بغير إذن لأنَّ النهي المُتجرّد عن القرائن يفيد التحريم على الأصح.
مجالات الإستئذان
- استئذان الجليسين جليسهما الثالث ليتناجيا بدليل ذلك ما أخرجه أحمد وصححه الأرناؤوط عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال (إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث إلّا بإذنه فإن ذلك يُحزنه).
- الإستئذان عند الجلوس إلى اثنين يتناجيان قال النبي -صلى الله عليه وسلم- (إذا تناجى اثنان فلا تجلس إليهما حتى تستأذنهما) أخرجه أحمد وحسنه الأرناؤوط.
- الإستئذان للجلوس بين شخصين قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يحل لرجل أن يفرق بين اثنين إلا باذنهما.
- الإستئذان في الإقران في أكل التمر فعن جَبَلة قال كنا بالمدينة فأصابتنا سنة فكان ابز الزُبير يرزقنا التمر وكان ابن عمر يمر بنا فيقول لا تقرنوا فإنَّ النبي صلى الله عليه وسلم ( نهى عن الإقران إلّا أن يستأذن الرجل منكم أخاه).
آداب الإستئذان عن دخول البيوت
- أن تُسلّم بقولك (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) واستئذان المُسلم بالدخول فقد جاء في الحديث " أن رجلاً من بني عامر استأذن على النبي وهو في بيت فقال: أألج؟، فقال النبي لخادمه اخرج إلى هذا فعلِّمه الاستئذان. فقال له: قل: السلام عليكم، أأدخل، فسمعه الرجل فقال: السلام عليكم أأدخل؟ فأذن له النبي فدخل".
- الإستئذان ثلاثًا، قال النبي محمد -صلى الله عليه وسلَّم- "إذا استأذن أحدكم ثلاثًا فلم يُؤذن له فليرجع"، أمّا عن الحكمة من الإستئذان ثلاثًا فقد قال بعض العلماء: إن الأُولى استعلام والثانية تأكيد والثالثة إعذار.
- مراعاة الأوقات في الإستئذان واجتناب أوقات راحة الإنسان ونومه مثل الأوقات المُتأخرة من الليل أو المُفاجأة وقد جاء في حديث أنس: "أن النبي كان لا يطرق أهله ليلاً، وكان يأتيهم غدوة أو عشية".
- الرجوع عند عدم الإذن فإن لم يؤذن للمُستأذن فليرجع قال تعالى في كتابه العزيز: ﴿فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا﴾.
- الوقوف على أحد جوانب الباب وعدم استقبال الباب بالوجه إذ أنّه من الممكن أن يقوم أهل البيت بفتح الباب أمام الطارقين فيظهر لهم شيء من خصوصيّات وعورات هذا البيت ويُسبب لهم الإحراج لأهل البيت والمُستأذن.
- انتظار الرد بالقبول من صاحب البيت بالدخول وعدم الإستعجال حتى يأذن صاحب البيت به فبمُجرد الإستئذان لا يُعطي الحق بالدخول بل لا بُدَّ من الرد بالقبول والإنتظار حتى يدعو صاحب البيت المُستأذن للدخول.
- عدم قول أنا عند سؤال أهل البيت للمُستأذن الطارق بل يجب عليه أن يُخبر عن اسمه يقول الصحابي جابر بن عبدالله رضي الله عنه (أَتَيْتُ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في دَيْنٍ كانَ علَى أبِي، فَدَقَقْتُ البَابَ، فَقالَ: مَن ذَا؟ فَقُلتُ: أنَا، فَقالَ: أنَا أنَا! كَأنَّهُ كَرِهَهَا).
- من باب الأدب الإستئذان بالإنصراف خشية أن يقع البصر على شيءٍ أثناء الخروج، وقد جاء في الحديث عن ابن عمر – رضي الله عنهما- أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : (إذا زار أحدكم أخاه فجلس عنده، فلا يقومن حتى يستأذنه).
آيات من القرآن الكريم تدل على أهميّة الإستئذان في الإسلام
- "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ"
- "وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ"
- {فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّىٰ يُؤْذَنَ لَكُمْ ۖ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا ۖ هُوَ أَزْكَىٰ لَكُمْ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} (28)
- {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ}
- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ۚ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ۚ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ ۚ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ ۚ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}