عبدالله بن الزُبير بن العوّام رضي الله عنه، صحابيّ جليل وأحد أعلام الإسلام، وُلِد في المدينة المنوّرة بعد الهجرة، ليكون أوَّل مولود للمسلمين في ديار الإسلام، فاستبشر به الصحابة فرحًا وزال ما كان في نفوس بعضهم من قلقٍ بسبب إشاعات اليهود حول انقطاع نسل المسلمين، نشأ ابن الزبير في بيتٍ عريقٍ في الإيمان والجهاد، فأبوه الزبير بن العوّام حواريّ رسول الله ﷺ، وأمه أسماء بنت أبي بكر الصدّيق ذات النطاقين، فجمع بين شرف النسب وعلوّ الهمّة، فكان فارسًا شجاعًا، وعابدًا ورعًا، وسياسيًّا فذًا، ترك بصمةً خالدة في صفحات التاريخ الإسلامي.

ما هو نسب عبدالله بن الزُبير؟

عبدالله بن الزُبير بن العوام الأسديّ القرشيّ، هو صحابيّ من صغار الصحابة وابن الصحابيّ الزُبير بن العوام وأمّه أسماء بنت أبي بكر الصدّيق وهو أوّل مولود للمُسلمين في المدينة المُنورة بعد هجرة النبيّ مُحمد -صلى الله عليه وسلّم- وفارس قُريش في زمانه، ويُكنى بأبي بكر وأبي خُبيب، ومن صفاته أنّه كان نحيفًا، خفيف اللحم، خفيف اللحيّة، قليل شعر الوجه وكان لا يُنازع في العبادة والشجاعة والفصاحة، نشأ في بيت النبوّة ورى ثلاثةً وثلاثين حديثًا وكان يُكثر العمل للآخرة ويُكثر من قيام الليل وصيام النهار ومن مناقبه أنّه كان أحد الرّجال الأربعة الذين كلّفهم عُثمان بن عفّان-رضي الله عنه- بنسخ القرآن، وهو يُعتبر الخليفة التاسع في دولة المُسلمين، ولم تطُل فترة حكمه بسبب الثورات الداخليّة على حكمه والتي من أبرزها ثورة المُختار الثقفيّ في العراق بالإضافة إلى اجتماع الأمويين حول مروان بن الحكم ومن بعده ولده عبد الملك في الشام ممّا مكنهم من استعادة باقي مناطق الشام ومصر ثم العراق والحجاز، وانتهت دولته بمقتله سنة 73 للهجرة بعد أن حاصره الحجّاج بن يوسف الثقفيّ في مكة ولم تقم لسلالته بعد ذلك دولة كغيرهم من البيوت القرشيّة كالأمويين والعبّاسيين.

ما هي أبرز بطولات عبدالله بن الزُبير؟

شارك الصحابيّ عبدالله بن الزُبير مع والده في غزوة الأحزاب وفتح مكّة ولكنّه كان صغيرًا ولمّا توفي النبي -صلى الله عليه وسلَّم- لم يكن عُمره يتجاوز الإحدى عشرة سنة وكان لا يُسمح لمن هو أقل من خمس عشرة سنة بالمُشاركة في القتال فكانت أولى مُشاركاته مع والده في معركة اليرموك ولكّنه تمَّ منعه من القتال نظرًا لصغر سنّه، وفي عهد الخليفة عُثمان بن عفّان قادَ جيش المُسلمين الذي بعثه الخليفة إلى إفريقيّة ليأتيهم بأخبار المُسلمين بعد أن انقطعت ووصل إليهم وجلس معهم وقاتل معهم في حرب الرّوم وهزموهم وقتل قائدهم جرجير وكان على يديه فتح بلاد إفريقيذة وقال عن ذلك ابن كثير: إنّه أول موقفٍ اشتُهر فيه شأن عبدالله بن الزُبير -رضي الله عنه-، وشارك مع والده في معركة الجمل وكان أوَّل من ضرب الدراهم بشكلٍ مُستدير فجعل النّقش على أحد الوجهين؛ وجه محمدٌ رسول الله -صلى الله عليه وسلَّم- وعلى الوجه الآخر أمر الله بالوفاء بالعهد.

قصة بناء عبدالله ابن الزُبير للكعبة

من أهم الأعمال التي ذكرها التاريخ في سيرة عبدالله ابن الزُبير هو هدمه للكعبة سنة 64 للهجرة بعد أن لحقها الحريق والضرر من آثار قصفها بمنجنيق الحصين بن نمير السكوني، حين عاذ ابن الزُبير بها في آخر خلافة يزيد بن مُعاوية وكان عبدالله بن الزُبير قد شاور الناس في هدمها فأشرا عليه "جابر بن عبدالله" و "عبيد بن عمير" بذلك فيما تخوّف ابن عبّاس من تهاون الناس بحرمة الكعبة إن تكرر هدمها من وقتٍ لآخر وبعد المُشاروة أقام عبدالله ابن الزُبير ثلاثة أيّام يستخير، وفي اليوم الرابع همَّ على هدمها وبدأ الركن حتى وصل إلى أساسها ثم بنى البيت وأدخل الحجر فيه لحديث عائشة -رضي الله عنها-: {قال لي رسول الله ﷺ لولا حداثة عهد قومك بالكفر لنقضت الكعبة ثم لبنيتها على أس إبراهيم، فإن قريشًا حين بنت استقصرت، ثم جعلت لها خلفًا}، وجعل للكعبة بابين يدخل منها وباب يخرج منه، وقام بوضع الحجر الأسود بيده وشدّه بفضّه لأنه كان قد تصدّع وجعل طول الكعبة 27 ذراعًا بعد أن كانت 17 ذراعًا، وظاد في وسعها 10 أذرع ولطّخ جدرانها بالمسك وغطّاها بديباج غيرَ أنَّ بناءه لم يدم طويلاً حيث ردَّ الحجّاج بن يوسف سنة 73 هجري بناء الكعبة إلى ما كانت عليه بأمر من عبد الملك بن مروان ولم يكن بلغه حديث عائشة فلمّا بلغه الحديث بعد ذلك قال: {وددنا أنا تركناه وما تولى من ذلك}.

مُبايعة عبدالله ابن الزُبير بالخلافة

في ظل وفاة يزيد بن مُعاوية سنة 64 هجري، وانسحاب جيش الحصين لابن الزُبير في مكة، دعا عبدالله بن الزُبير إلى نفسه فبايعه أهل الحجاز ما عدا بعض الشخصيّات الهامّة من أمثال؛ ابن عمر وابن الحنفية، ابن عبّاس، كما دعا له النُعمان بن بشير في حمص وزفر بن الحارث الكلابي بقنسرين والضحّاك بن قيس في دمش وأتته بيعة الكوفة والبصرة وخراسان والسمن ومُعظم الشام، فبعث ابن الزُبير عمّاله، فولّى أخاخ مُصعب المدينة والحارث بن عبدالله بن أبي ربيعة البصرة وعبدالله بن مُطيع الكوفة وعبد الرحمن بن عُتبة بن جحدم الفهري مصر والضحّاك بن قيس على الشام، كما بعث ولاة لليمن وخراسان، ونظرًا لإجتماع مُعظم الأمصار على بيعته ما عدا أجزاء من الشام فقد عدّه مالك وابن عبد البر وابن حزم وابن كثير والذهبيّ الخليفة الشرعيّ للمُسلمين بعد وفاة يزيد وبالرغم من مُشاركة الخوارج لابن الزُبير في الدفاع عن مكة حينما حُصر إلّا أنهم خالفوه حين بويع لإثنائه على عثمان بن عفّان وهو ما يُخالف مُعتقداتهم فقصدوا العراق وخراسان، وفوّض ابن الزُبير المهلب بن أبي صفرة لقتالهم فهزمهم المهلب وقتل زعيمهم نافع بن الأزرق.

مقتل عبدالله بن الزُبير

بعد أن أمر عبد الملك بتسيير جيش كبير نحو مكّة للقضاء على ابن الزُبير، انطلق الجيش بقيادة الحجّاج بن يوسق وحاصروا مكّة فجبُن الناس وتخاذلوا عن ابن الزُبير ولم يبقَ معه إلّا خاصّته فقاتلوا معه عند الكعبة بشجاعة ثم سقطت على ابن الزُبير -رضي الله عنه- إحدى شُرفات الكعبة فقُتل وكان ذلك في عام 73 للهجرة وانتهت بذلك خلافته التي دامت لمدّة تسع سنواتٍ تقريبًا.