الحكمة والقيادة في قصة ذي القرنين
تُظهر قصة ذي القرنين كيف يجمع القائد بين الحكمة والعدل والقوة في حماية الشعوب واتخاذ القرارات الصائبة، ليكون نموذجًا للقيادة الرشيدة
قصة ذي القرنين من أبرز القصص القرآنيّة التي تحمل دروسًا خالدة في الحكمة والعدل والقيادة، تحكي القصة عن ملك عادل قوي سافر في الأرض يسعى لتحقيق الخير، مستخدمًا حكمته وقوته لحماية الناس ومواجهة الظلم، ومن خلال رحلاته ومعاركه، نتعلم كيف يمكن للقيادة الحكيمة أن تُحدث فرقًا كبيرًا في حياة الشعوب، وكيف يوازن القائد بين القوة والرحمة لضمان العدل والنماء.
ذي القرنين
ذي القرنين هو اسم شخص ورد في القرآن الكريم بصفته ملكًا عادلاً وعبدًا صالحًا من عباد الله، قد بنى ردمًا يدفع به أذى يأجوج ومأجوج عن أحد الأقوام، يحكي القرآن قصة ذي القرنين وأنّه بدأ التجوال بجيشه في الأرض داعيًا إلى الله فاتجه غربًا حتى وصل مُنتهى الأرض المعروفة آنذاك، قال تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا ٨٦﴾.
قصّة ذي القرنين في سورة الكهف
ذي القرنين هو رجل صالح ذكره الله تعالى في القرآن الكريم ووصفه بأنّه ملك عادل فكان سلطانًا مؤيدًا ومقسطًا، ملك المشرق والمغرب قال تعالى: (وَيَسأَلونَكَ عَن ذِي القَرنَينِ قُل سَأَتلو عَلَيكُم مِنهُ ذِكرًا*إِنّا مَكَّنّا لَهُ فِي الأَرضِ وَآتَيناهُ مِن كُلِّ شَيءٍ سَبَبًا) وأسلم على بد نبي الله ابراهيم عليه السلام وطاف بالكعبة المُشرّفة مع إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام وأُطلق عليه ذي القرنين لأنّه ملك ما بين قرني الشمس شرقًا وغربًا وكان مُشاوره في شؤون الدولة الخضر عليه السلام أمّا سبب ذكر قصته في القرآن الكريم يرجع إلى أنَّ قُريشًا سألت اليهود عن شيء تمتحن به الرسول محمد-صلى الله عليه وسلم- فأخبرتهم السهود أن يسألوه عن رجل عُر بأنه طوّاف في الأرض وعن مجموعة من الفتية قد خرجوا ولم يُعلم شيء عنهم فجاء الردّ من الله تعالى وأنزل قصّة ذي القرنين ويحرسه ويحفظه بالإضافة إلى أنّه مُنح وأعطي ملكًا عظيمًا لتحقيق المهام العظيمة التي وُكّلت له فكان يأخذ الطعام والزاد الخاص بإقليم ما لتعينه على إقليم آخر حتى وصل إلى مكان لا يُمكن لأحد وصوله ووقف على حافّة البحر ورأى الشمس في نظره أنّها تخرج من البحر وتغرب فيه فملّكه الله تعالى حكم تلك المنطقة ومكّنه منهم وجعله بالخيار فيهم فإن شاء قتل منهم ما شاء وسبى منهم ما شاء وله أن يفدي منهم ما يشاء.
اختار ذي القرنين أن يُجازي الظالمين من عدله وقسطه بين الناس ثم رجع من المغرب إلى المشرق وفي طريق عودته رأى قومًا ليس لهم بيوت تحميهم من حرارة الشمس فمرَّ بقوم عجم أخبروه بأنَّ هُناك قبيلتان تعدّوا عليهم بشكلٍ كبيرٍ جدًا وأفسدوا لهم بلادهم وقطعوا عنهم الطُرق فقدّموا له الخُراج مُقابل أن يُقيم حاجزًا ليمنع ظلم القبيلتين وجورهما عنهم ولكنّه امتنع عن أخذ المال واكتفى بالأموال التي أنعم الله تعالى عليه وطلب منهم أن يُعينوه على بناء الحاجز بجهدهم وآلاتهم وتمَّ بناء الحاجز من الحديد والنُحاس المُذاب فلم يستطيعوا بلوغه بالسلالم ولا بغيرها من الوسائل فكان ذلك من رحمة الله تعالى بعباده ليمنع الظلم والطغيان عن المُستضعفين من العباد وقد أخبر الله تعالى أنَّ الحاجز ينهدم آخر الزمان ويُصبح بنفس مستوى الأرض حيث قالَ هـذا رَحمَةٌ مِن رَبّي فَإِذا جاءَ وَعدُ رَبّي جَعَلَهُ دَكّاءَ وَكانَ وَعدُ رَبّي حَقًّا).
الدروس والعبر المُستفادة من قصة ذي القرنين
- التوكّل على الله والشُكر له، فذي القرنين يرجع كل النعم والإنجازات إلى الله مؤكدًا أنَّ التمكين الربّاني مصدر الله ويعلمنا ضرورة شكر الله على نعمه.
- الأخذ بالأسباب والتوحيد فقد اهتم ذو القرنين باتخاذ كافّة الأسباب الماديّة لتحقيق أهدافه كعلوم المعرفة، التخطيط مع طلب العون والتوفيق من الله سُبحانه وتعالى وهو منهج يجمع بين العمل والسعي.
- التواضع وعدم الكِبر فرغم ما حققه من انجازات عظيمة لم يصب ذو القرنين بالكبر أو الغرور بل أنّه ظلَّ مُتواضعًا ويحمل الشكر لله وهو ما يظهر في نسبته القوّه لله سبحانه وتعالى.