قصة النبي صالح وقوم ثمود: دروس وعِبر خالدة عبر التاريخ
يقدّم المقال نظرة شاملة على قصة النبي صالح وقوم ثمود، مبرزًا العِبر الخالدة والدروس الإيمانيّة والأخلاقيّة التي نستخلصها من أحداثها عبر التاريخ.
قصة النبي صالح عليه السلام مع قوم ثمود من القصص العظيمة التي وردت في القرآن الكريم، فهي تحكي عن قوم عاشوا في رغد وازدهار لكنهم انحرفوا عن عبادة الله، فأرسل إليهم نبيهم صالح ليدعوهم إلى التوحيد ورغم المعجزات التي أيّد الله بها نبيّه، تكبّروا وكذّبوا، فجاءتهم العاقبة التي تُخلّد دروسًا وعِبرًا باقية للأجيال.
النبي صالح عليه السلام
النبي صالح؛ هو أحد الأنبياء العرب، أرسله الله إلى قوم ثمود وهي قبيلة من القبائل العربيّة البائدة المُتفرعة من أولاد سام بن نوح وسُميت بذلك نسبةً إلى أحد أجدادها وهو ثمود بن جاثر بن إرم بن سام بن نوح وقيل ثمود بن عاد بن عوض بن إرم بن سام بن نوح والنبيّ صالح من هذه القبيلة ويتصل نسبه بثمود الذين كانوا قومًا جاحدين أتاهم الله رزقًا كثيرًا لكنّهم عصوا ربهم وعبدوا الأصنام وتفاخروا بينهم بقوتهم فبعث الله إليهم صالحًا مُبشرًا ومُنذرًا غير أنَّهم كذبوه وعصوه وطالبوه بالإتيان بآية ليُصدّقوه فأتاهم بالناقة وأمرهم أّل يؤذوها لكنّهم أصروا على كبرهم فعقروا الناقة من فعاقبهم الله بالصاعقة فصعقوا جزاء لفعلتهم ونجَّى الله صالحًا ومن معه من المؤمنين.
قوم النبي صالح
أرسل الله عزَّ وجل نبي الله صالح-عليه السلام- إلى قومه ثمود وسُميت ثمود بذلك لقلّة مائها وثمود هي قبيلة شهيرة، كانت دعوة نبي الله صالح قائمةً بشكلٍ أساسيّ على هداية قوم ثمود لتوحيد الله عزَّ وجل ونبذ الشرك والكفر بالله تعالى، فقال تبارك وتعالى ولقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحًا أنِ اعبدوا الله فإذا هُم فريقانٍ يختصمون، فبدأ صالح عليه السلام رسالته بتذكير قومه بالنعم التي رزقهم الله إياها من بناء قصور وقِلاع شاهقة في السهول ونحت بيوتهم من الجبال المُرتفعة وتطاولهم بالبُنيان كما أنعم الله تعالى عليهم بالأنهار والنعيم وكان يُذكّرهم صالح عليه السلام في قوم عاد وكيف أنَّ معيشتهم تحوّلت بسبب كفرهم بالله وتمسكهم بالشرك وكيف استخلفهم الله في الأرض بعد هلاك قوم عاد. فقال -تعالى -: (وَاذْكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُواْ آلاء اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ)، الأعراف:74.
لكن قوم ثمود رفضا دعوة نبي الله صالح -عليه السلام- وتمسّكوا بكفرهم كما أنّهم كذبوه واتهموه بالسحر والجنون على الرغم من أنّه لم يطلب منهم سوى عبادة الله والإيمان به لينجوا من عذاب الآخرة، ولم يكتفِ قوم ثمود برفض الدعوة بل انهم انتقلوا إلى مرحلة التكذيب والإستهزاء قال تعالى: (فَقَالُوا أَبَشَرًا مِّنَّا وَاحِدًا نَّتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَّفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ أَؤُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ)، القمر:24، 25 ومن هُنا أخذوا يصدّون المؤمنين من القوم من اتباع نبي الله صالح عليه السلام وأشاعوا بين الناس أنَّ صالح ومن معه مشؤومين ولا يجب أن يتبعنُه.
قوم ثمود والناقة
بعد أن دعا صالح عليه السلام قومه وصدّوا عنه، طلب قوم ثمود من سيدنا صالخ عليه السلام في أحد الأيام مُعجزة تُصدق رسالته وتؤكد صدقه وكان ذلك بهدف تعجيزه وحتى يستمروا في الكفر فسألهم النبي عن المُعجزة التي يُريدونها فأشاروا إلى صخرة كبيرة بالقرب من المكان الذي اجتمعوا فيه وهو دار الحجر وأخذوا يطلبون منه وهم مُستهزئين أن تنشق تلك الصخرة التي توجد بأرضهم وتخرُج منها ناقة من ثم أخذوا في وضع شروط تعجيزيّة في مواصفات هذه الناقة كأن تكون ضخمة بحيث أنّها لو شربت لم تترُكماء لغيرها وتأتيهم بلبن فيشربون منها وأن يكون لونها أحمر وأن تكون حامل وعلى وشك الولادة وتضع حملها وهم ينظرون إليها.
وبعد أن فرغ قوم صالح من هذه الشروط ذهب صالح عليه السلام ليُصلي وهُنالك دعا ربه أن يُخرج لهم ما طلبوه ثم ذهب إليهم وتحدّاهم وأمرهم أن يجمعوا الناس أمام الصخرة وفي مشهد مُهيب اهتزَّت الصخرة فخرجت منها ناقة عظيمة على نفس الوصف الذي طلبنه أمام أعينهم قال -تعالى-: (وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ)، هود:64.
فتعجّب القوم وصدَّق القليل منهم النبي صالح ولكن استمر الآخرون في كفرهم فلم يستوعبوا ما حدث وحذّرهم صالح عليه السلام من إيذاء الناقة أو التعرّض لها بسوء وطلب منهم أن يتركوها تشرب من ماء البئر يومًا ثم يشربون منه في اليوم التالي، فأصبح قوم ثمود أمام خيارين إمّا أن يؤمنوا أو يؤذوا الناقة فيهلكون من العذاب قال تعالى: (إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ فِتْنَةً لَّهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاء قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُّحْتَضَرٌ)، القمر:27، 28
هلاك قوم ثمود
عاشت الناقة بين قوم ثمود تشرب الماء يومًا ويشربون هم يومًا وينتفعون من لبنها، ثُمَّ جاء يومًا اجتمعوا في كِبار القوم لمُناقشة أمر الناقة وكانوا يرون أن وجود الناقة يُشكّل لديهم خطر على مكانتهم وسط القوم وخافوا أن يؤمن الناس برسالة صالح عليه السلام فقرروا وتآمروا على قتل الناقة، وتطوّع أحدهم لقتل الناقي وكان يُدعى قُدار بن ساف بن جذع وهو واحد من أشقى القوم وكان قُدار رجل قويّ شقيّ من عائلة ذات قوّة تحميه ويقوم مجموعة من الشباب الفاسدين، فاتفق هو وأصحابه مع كِبار قوم ثمود بعد أن تشاوروا مع بقيّة القوم ووافق الجميع على قتل الناقة فترصّد لها قُدار وهي عائدة مع صغيرها بعد أن شربت من الماء فجاء من خلفها وعقرها أي قطع أرجلها فسقطت على الأرض فأقبل أصحابه حتى قتلوها وهرب صغيرها فاتبعوه وحاصروه ثم قتلوه وجاء بقيّة القوم يتقاسمون لحمها، من ثم تحدّوا نبيّ الله صالح عليه السلام أن يأتيهم العذاب كما حذرهم من قبل قال تعالى فعقروا الناقة، قال تعالى: (فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ)، هود:65
لكنّهم أصروا على كُفرهم وتمادوا في تكذيبهم وعنادهم وأرادوا أن يقتلوا صالح ومن آمن معه فانطلق التسعة المُفسدون لقتله عليه السلام، إلّا أنَّ العذاب قد حلَّ بهم وأرسل الله حجارة عليهم وذلك قبل أن يهلك الله قومهم، وفي الموعد الذي حدده صالح أي بعد ثلاثة أيّام، في أول يوم كان وجوهم مسفرة وفي اليوم الثاني كانت محمرة وفي يوم السبت الثالث أصبحت وجوههم مسودة فلما جاءت صبيحة يوم الأحد جلسوا ينتظرون العذاب المُقرر لهم فعندما حرجت الشمس جاءت صيحة من السماء ورجفة في الأرض من تحتهم فهلكوا وكان ذلك عقاب عنادهم على الكفر.
الدروس والعِبر المُستفادة
- تُسلط قصّة النبي صالح على أهميّة الإيمان بالله تعالى والثقة به في جميع الظروف والأوقات.
- أهميّة اختيار الطريقة الصحيحة للتواصل مع الآخرين.
- التحلّي بالصبر والثبات في مواجهة الأزمات.
- التحذير من الإستهانة بآيات ومُعجزات الله سبحانه وتعالى.